فصل: (فَصْلٌ): (مَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ قَتْلِ صَيْدٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [إحرامُ المرأةِ]:

(وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا، فَتَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ بِنَحْوِ بُرْقُعٍ وَنِقَابٍ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. (وَتُسْدِلُ)، أَيْ: تَضَعُ الثَّوْبَ فَوْقَ رَأْسِهَا، وَتُرْخِيهِ عَلَى وَجْهِهَا، (لِحَاجَةٍ) إلَى سَتْرِ وَجْهِهَا، (كَمُرُورِ رِجَالٍ) أَجَانِبَ (بِهَا)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَان الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَاذَوْنَا؛ سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ.
قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا لَهَا أَنْ تُسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْهُ فَوْقَ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الثَّوْبَ مِنْ أَسْفَلَ. (وَلَوْ أَصَابَ) مَسْدُولٌ (وَجْهَهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا تَغْطِيَةُ جَمِيعِ رَأْسِهَا إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ وَجْهِهَا، وَلَا كَشْفُ جَمِيعِ وَجْهِهَا إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ رَأْسِهَا، فَسَتْرُ رَأْسِهَا كُلِّهِ أَوْلَى، لِكَوْنِهِ) أَيْ: الرَّأْسِ (عَوْرَةً) فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا، (وَلَا يَخْتَصُّ سَتْرُهُ بِإِحْرَامٍ)، وَكَشْفُ الْوَجْهِ بِخِلَافِهِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا)، أَيْ: الْمُحْرِمَةِ (مَا يَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ) مُحْرِمٍ مِنْ إزَالَةِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَطِيبٍ، وَقَتْلِ صَيْدٍ، وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ الْخِطَابَ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ (غَيْرَ لِبَاسٍ وَ) غَيْرَ (خُفَّيْنِ، وَغَيْرَ تَظْلِيلٍ بِمَحْمَلٍ)، لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ إلَى وَجْهِهَا (وَيُبَاحُ لَهَا) أَيْ: الْمُحْرِمَةِ (خَلْخَالٌ، وَنَحْوُهُ مِنْ حُلِيٍّ)، كَسِوَارٍ وَدُمْلُجٍ، وَقُرْطٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حُلِيٍّ».
(وَلَهُ)، أَيْ: الْمُحْرِمِ، لُبْسُ (خَاتَمٍ) مِنْ فِضَّةٍ أَوْ عَقِيقٍ وَنَحْوِهِمَا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ، وَالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ» (وَإِنْ شَدَّتْ) مُحْرِمَةٌ (يَدَيْهَا بِخِرْقَةٍ فَدَتْ)، كَشَدِّ الرَّجُلِ شَيْئًا عَلَى جَسَدِهِ، (وَكَلُبْسِهَا قُفَّازًا)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُهُمَا كَالْمَرْأَةِ وَأَوْلَى وَالْقُفَّازَانِ كُلُّ مَا يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ، يُدْخِلُهُمَا فِيهِ، يَسْتُرُهُمَا مِنْ الْحَرِّ كَالْجَوْرَبِ لِلرِّجْلَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَغْطِيَةِ يَدَيْهَا بِكُمِّهَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ، جَوَازُهُ بِالْقُفَّازَيْنِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَهُ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ، وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمَيْهَا بِكُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ، (لَا إنْ لَفَّتْهَا)، أَيْ: يَدَهَا، (بِلَا شَدٍّ)، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ لَا التَّغْطِيَةُ، كَيَدِ الرَّجُلِ. (وَكُرِهَ لَهُمَا)، أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ، وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ كُحْلٍ أَسْوَدَ، (لِزِينَةٍ)، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِامْرَأَةٍ مُحْرِمَةٍ: اكْتَحِلِي بِأَيٍّ شِئْت، غَيْرَ الْإِثْمِدِ أَوْ الْأَسْوَدِ، وَ(لَا) يُكْرَهُ اكْتِحَالُهُمَا بِذَلِكَ (لِغَيْرِهَا)، أَيْ: الزِّينَةِ، كَوَجَعِ عَيْنٍ لِحَاجَةٍ (وَلَهُمَا)، أَيْ: لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مُحْرِمَيْنِ، (لُبْسُ مُعَصْفَرٍ)، أَيْ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَشَمِّهِ، (وَ) لَهُمَا لُبْسُ (كَحُلِيٍّ)، وَكُلُّ مَصْبُوغٍ بِغَيْرِ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ، أَوْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ.
(وَ) لَهُمَا (قَطْعُ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ بِغَيْرِ طِيبٍ)، لِمَا تَقَدَّمَ، بَلْ هَذَا مَطْلُوبٌ.
(وَ) لَهُمَا (اتِّجَارٌ وَعَمَلُ صَنْعَةٍ مَا لَمْ يَشْغَلَا)، أَيْ: الِاتِّجَارُ وَعَمَلُ الصَّنْعَةِ، (عَنْ وَاجِبٍ؛ فَيَحْرُمُ)، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو الْمَجَازِ، أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. مَا لَمْ يَشْغَلْ الِاتِّجَارُ وَعَمَلُ. الصَّنْعَةِ عَنْ (مُسْتَحَبٍّ). (وَيَتَّجِهُ: فَيُكْرَهُ) تَعَاطِيهِمَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِمَا، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُنْتَهَى.
(وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ كُلَّ) فِعْلٍ (مُبَاحٍ أَشْغَلَ عَنْ) فِعْلٍ (وَاجِبٍ) ضَاقَ، وَقْتُهُ (حَرَامٌ)، وَهَذَا مِمَّا لَا يَسْتَرِيبُ بِهِ عَاقِلٌ. (وَلَهُمَا نَظَرٌ فِي مِرْآةٍ لِحَاجَةٍ، كَإِزَالَةِ شَعْرٍ بِعَيْنٍ) دَفْعًا لِضَرَرِهِ. (وَكُرِهَ) نَظَرُهُمَا فِي مِرْآةٍ (لِزِينَةٍ)، وَلَا يُصْلِحُ الْمُحْرِمُ شَعَثًا، وَلَا يُنْفِضُ عَنْهُ غُبَارًا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا» رَوَاه أَحْمَدُ (وَيَجِبُ اجْتِنَابُ رَفَثٍ، وَهُوَ: الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ) مِنْ تَقْبِيلٍ وَلَمْسٍ لِشَهْوَةٍ، (وَفُسُوقٍ وَهُوَ: السِّبَابُ)، وَقِيلَ: الْمَعَاصِي، (وَجِدَالٍ) وَهُوَ: الْمِرَاءُ (فِيمَا لَا يَعْنِي)، أَيْ: يُهِمُّ، لِحَدِيثِ: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تُمَارِيَ صَاحِبَك حَتَّى تُغْضِبَهُ)، قَالَ الْمُوَفَّقُ: الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَتُسَنُّ قِلَّةُ كَلَامِهِمَا)، أَيْ: الْمُحْرِمِ، وَالْمُحْرِمَةِ (إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ (إشْغَالُهُ بِتَلْبِيَةٍ وَذِكْرٍ وَ) قِرَاءَةِ (قُرْآنٍ، وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلٍ، وَنَحْوِهِ) مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ.

.(بَابُ الْفِدْيَةِ):

وَبَيَانُ أَقْسَامِهَا وَهِيَ مَصْدَرُ: فَدَى يَفْدِي فِدَاءً. وَشَرْعًا: (مَا يَجِبُ بِسَبَبِ نُسُكٍ) كَدَمِ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ، وَوَاجِبٌ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فِي إحْرَامٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، (أَوْ) بِسَبَبٍ (حَرُمَ)، كَصَيْدِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَنَبَاتِهِ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا)، أَيْ: الْفِدْيَةُ (عَلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ) إذَا احْتَاجَ إلَى فِعْلِهِ (لِعُذْرٍ)، كَأَنْ يَحْتَاجُ إلَى (نَحْوِ حَلْقٍ) وَلُبْسٍ وَطِيبٍ، (وَيَأْتِي) ذَلِكَ. (وَهِيَ)، أَيْ: الْفِدْيَةُ (قِسْمَانِ: تَخْيِيرٌ، وَتَرْتِيبٌ): (فَالتَّخْيِيرُ) نَوْعَانِ: أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (كَفِدْيَةِ لُبْسِ) مَخِيطٍ، (وَطِيبٍ، وَتَغْطِيَةِ رَأْسِ) ذَكَرٍ، أَوْ وَجْهِ أُنْثَى، (وَإِزَالَةِ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرَتَيْنِ أَوْ) أَكْثَرَ مِنْ (ظُفْرَيْنِ، وَإِمْنَاءٍ بِنَظْرَةٍ، وَمُبَاشَرَةٍ بِغَيْرِ إنْزَالٍ، وَإِمْذَاءٍ بِتَكْرَارِ نَظَرٍ أَوْ تَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «لَعَلَّك آذَاك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْلِقْ رَأْسَك، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ اُنْسُكْ شَاةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ». (فَيُخَيَّرُ) مُحْرِمٌ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ، أَوْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ) مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ أَقِطٍ. وَيَتَعَيَّنُ تَمْلِيكُ مَا (يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ)، وَهُوَ: أَحَدُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَفْظُ أَوْ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ: لِلتَّخْيِيرِ، وَخُصَّتْ الْفِدْيَةُ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ الْأَظْفَارِ وَالشَّعَرَاتِ، لِأَنَّهَا جَمْعٌ، وَاعْتُبِرَتْ فِي مَوَاضِعَ بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِاعْتِبَارِ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْفِدْيَةِ، وَقِيسَ عَلَى بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِيهَا لِلتَّرَفُّهِ أَشْبَهَتْ الْحَلْقَ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا لَهُ. (وَيَتَّجِهُ: إجْزَاءُ قُوتِ غَيْرِهِ)، أَيْ: غَيْرَ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ (مَعَ عَدَمِهِ)، أَيْ: الْمُجْزِئِ فَيُجْزِئُ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ مِنْ خُبْزٍ وَذُرَةٍ وَأَرُزٍّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَحَيْثُ أَخْرَجَ خُبْزًا؛ فَيَدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ رِطْلَيْنِ عِرَاقِيَّةً، وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ مَعَ أُدُمٍ، لِيَكْفِيَ الْمَسَاكِينَ الْمُؤْنَةَ، عَلَى قِيَاسِ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) النَّوْعُ الثَّانِي (مِنْ) نَوْعَيْ (التَّخْيِيرِ: جَزَاءُ الصَّيْدِ، يُخَيَّرُ فِيهِ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (بَيْنَ): ذَبْحِ (مِثْلِ) الصَّيْدِ مِنْ النَّعَمِ، وَإِعْطَائِهِ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ، أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ، فَلَا يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا. (أَوْ: تَقْوِيمِهِ)، أَيْ: الْمِثْلِ، (بِمَحَلٍّ تَلَفِ) الصَّيْدِ (وَبِقُرْبِهِ)، أَيْ: مَحَلِّ التَّلَفِ (بِدَرَاهِمَ) مَثَلًا (يَشْتَرِي بِهَا)، أَيْ: الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ قِيمَةُ الْمِثْلِ (طَعَامًا، إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ) فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ؛ أَخْرَجَ مِنْهُ (مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ) كَوَاجِبٍ فِي فِدْيَةِ أَذًى وَكَفَّارَةٍ، (فَيُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ) مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ، (أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}، (وَإِنْ بَقِيَ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ صَامَ) عَنْهُ (يَوْمًا) كَامِلًا، لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، فَأَخْرَجَ مَا وَجَدَهُ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ؛ صَوْمُ يَوْمٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاءُ طَعَامٍ لَيْسَ عِنْدَهُ، (وَيُخَيَّرُ فِي شِرَاءِ) طَعَامٍ (رَخِيصٍ، أَوْ) شِرَاءِ طَعَامٍ (غَالٍّ)، فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْأَنْفَعِ، وَلَا الْأَجْوَدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ وَإِخْرَاجُهُ، (لِقِلَّةِ الصَّوْمِ)، إذْ هُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَنَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى فَاعِلِهِ، بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ، فَإِنَّ فِيهِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيُخَيَّرُ فِيمَا)، أَيْ: صَيْدٍ (لَا مِثْلَ لَهُ) مِنْ النَّعَمِ، إذَا قَتَلَهُ (بَيْنَ إطْعَامِ) مَا اشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ إخْرَاجِهِ عَنْهَا مِنْ طَعَامِهِ بِعَدْلِهَا، (وَصِيَامٍ) كَمَا تَقَدَّمَ. لِعُذْرِ الْمِثْلِ، (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ فِيهِ)، أَيْ: فِي هَذَا الصَّوْمِ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِهِ مُطْلَقٌ، فَيَتَنَاوَلُ الْحَالَيْنِ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ، وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضٍ)، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.
(وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْفِدْيَةِ (قِسْمٌ) يَجِبُ عَلَى (التَّرْتِيبِ، كَدَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ)، فَيَجِبُ الْهَدْيُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}، وَقِيسَ الْقَارِنُ عَلَيْهِ، (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ) كَتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ لِمَنْ وَقَفَ نَهَارًا، وَسَائِرَ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَتَأْتِي (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِفَوَاتِ) حَجٍّ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ: إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي، (وَلَا حِصَارَ) إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِوَطْءٍ، وَإِنْزَالِ مَنِيٍّ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ) إنْزَالِ مَنِيٍّ (بِتَكْرَارِ نَظَرٍ، أَوْ تَقْبِيلٍ، أَوْ لَمْسٍ لِشَهْوَةِ، أَوْ اسْتِمْنَاءٍ وَلَوْ خَطَأً فِي الْكُلِّ)، أَيْ: كُلُّ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مِنْ قِسْمِ التَّرْتِيبِ. (وَأُنْثَى مَعَ شَهْوَةٍ) فِيمَا سَبَقَ، (كَرَجُلٍ) فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْفِدْيَةِ، كَالْوَطْءِ، (فَعَلَى مُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ وَتَارِكِ وَاجِبٍ) دَمٌ، (وَ) كَذَا عَلَى مَنْ لَزِمَهُ هَدْيٌ، (لِفَوَاتِ) حَجٍّ (دَمٌ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} الْآيَةَ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْقَارِنُ، (فَإِنْ عَدِمَهُ)، أَيْ: الدَّمَ، مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، (أَوْ) عَدِمَ (ثَمَنَهُ، وَلَوْ وَجَدَ مُقْرِضًا) نَصًّا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عُسْرَتِهِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِبَلَدِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ؛ (صَامَ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ)، أَيْ: وَقْتَهُ، لِأَنَّ الْحَجَّ أَفْعَالٌ لَا يُصَامُ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أَيْ: فِيهَا (وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ آخِرِهَا)، أَيْ: الثَّلَاثَةِ: (يَوْمَ عَرَفَةَ) نَصًّا، فَيُقَدَّمُ الْإِحْرَامُ لِيَصُومَهَا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ هُنَا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا)، أَيْ: الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَبْلَ إحْرَامٍ بِحَجٍّ)، فَيَصُومَهَا (بَعْدَ إحْرَامٍ بِعُمْرَةٍ)، لِأَنَّهُ أَحَدُ إحْرَامِ التَّمَتُّعِ، فَجَازَ الصَّوْمُ فِيهِ، كَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَلِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْوَاجِبِ هُنَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ، حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا: الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، (إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْمُعْسِرِ اسْتِمْرَارُ إعْسَارِهِ)، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا قَبْلَ إحْرَامِ عُمْرَةٍ. (وَوَقْتُ وُجُوبِهَا)، أَيْ: الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَيْ: صَوْمُهَا: (كـَ) وَقْتِ وُجُوبِ (هَدْيٍ)، لِأَنَّهَا بَدَلُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ.
(وَ) صَامَ (سَبْعَةَ) أَيَّامٍ (إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (وَإِنْ صَامَهَا)، أَيْ: السَّبْعَةَ أَيَّامٍ (قَبْلَ رُجُوعِهِ) إلَى أَهْلِهِ (قَبْلَ فَرَاغِ حَجٍّ؛ أَجْزَأَهُ) صَوْمُهَا، وَالْأَفْضَلُ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. (وَكَلَامُ الْمُنْتَهَى ) هُنَا (غَيْرُ مُحَرَّرٍ)، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ إحْرَامٍ بِحَجٍّ، أَجْزَأَ. مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ، وَفَرَاغُهُ مِنْهُ وَمِنْ أَيَّامِ مِنًى، هَذَا مُرَادُهُ قَطْعًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيَّامَ مِنًى، قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِبَقَاءِ أَعْمَالٍ مِنْ الْحَجِّ، فَفِي عِبَارَتِهِ مِنْ الْإِيهَامِ مَا لَا يَخْفَى. (وَمَنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي أَيَّامِ مِنًى) وَهِيَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، (صَامَ بَعْدَ) ذَلِكَ (عَشَرَةً) كَامِلَةً، (وَعَلَيْهِ دَمٌ)، لِتَأْخِيرِهِ وَاجِبًا عَنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَنْ وَقْتِهِ، كَتَأْخِيرِ رَمْيِ جِمَارٍ عَنْهَا (مُطْلَقًا)، أَيْ: لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَكَذَا إنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ بِلَا عُذْرٍ)، فَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِتَأْخِيرِهِ لِذَلِكَ، لِمَا مَرَّ. (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ، وَلَا تَفْرِيقٌ فِي) صَوْمِ (الثَّلَاثَةِ، وَ) لَا فِي صَوْمِ (السَّبْعَةِ، وَلَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَا) هَا، وَكَذَا لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمِنًى، وَأَتْبَعَهَا بِالسَّبْعَةِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهَا مُطْلَقٌ، فَلَا يَقْتَضِي جَمْعًا، (وَلَا يَلْزَمُ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَدْيٍ بَعْدَ وُجُوبِ صَوْمٍ)، بِأَنْ كَانَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، (انْتِقَالٌ عَنْهُ)، أَيْ: الصَّوْمِ، (شَرَعَ فِيهِ أَوْ لَا)، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ الصَّوْمُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْهَدْيَ إذَنْ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَمَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ مُتْعَةٍ، فَمَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، (لِغَيْرِ عُذْرٍ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ، وَإِلَّا، اُسْتُحِبَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يُصَامُ عَنْهُ، لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ تَرْكُهُ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ، (فَلَا) إطْعَامَ عَنْهُ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. (وَعَلَى مُحْصِرٍ دَمٌ)، بِنَحْرِهِ مَكَانَ الْإِحْصَارِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ، وَيَأْتِي (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُحْصِرُ الدَّمَ، (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ (بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ)، لِمَا تَقَدَّمَ، (ثُمَّ حَلَّ وَلَا إطْعَامَ فِيهِ)، أَيْ: هَذَا النَّوْعِ، وَيَأْتِي. (وَعَلَى وَاطِئٍ قَبْلَ تَحَلُّلٍ أَوَّلِ) بَدَنَةٌ، (وَ) كَذَا عَلَى (مُنْزِلِ مَنِيٍّ بِنَحْوِ تَكْرَارِ نَظَرٍ)، كَلَمْسٍ لِشَهْوَةٍ، أَوْ مُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ (بَدَنَةٌ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا)، كَبَقَرَةٍ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْبَدَنَةَ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا، (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ) أَيْ فَرَغَ مِنْ إهْلَالِ الْحَجِّ (وَ) يَجِبُ بِوَطْءٍ (فِي عُمْرَةٍ شَاةٌ)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَامْرَأَةٌ طَاوَعَتْ لِرَجُلٍ) فِيمَا ذُكِرَ، وَ(لَا) فِدْيَةَ عَلَى مَنْ وُطِئَتْ فِي الْعُمْرَةِ، وَهِيَ (نَائِمَةٌ وَمُكْرَهَةٌ)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا فِدْيَةَ) أَيْضًا (عَلَى مُكْرِهِهَا) عَنْهَا (كَهِيَ)، أَيْ: كَمَا أَنَّهَا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا. (وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ، أَوْ احْتَلَمَ، أَوْ أَمْذَى بِنَظْرَةٍ) لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ.

.(فَصْلٌ): [مَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ قَتْلِ صَيْدٍ]:

(وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ قَتْلِ صَيْدٍ، بِأَنْ حَلَقَ) شَعْرًا وَأَعَادَهُ، (أَوْ قَلَّمَ) ظُفْرًا وَأَعَادَهُ، (أَوْ لَبِسَ). مَخِيطًا وَأَعَادَهُ، (أَوْ تَطَيَّبَ) وَأَعَادَهُ، (أَوْ وَطِئَ وَأَعَادَهُ بِالْمَوْطُوءَةِ أَوْ غَيْرِهَا، قَبْلَ تَكْفِيرٍ) عَنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (وَاحِدَةٌ)، سَوَاءٌ تَابَعَ الْفِعْلَ أَوْ فَرَّقَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي دُفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَفَّرَ لِلْمَرَّاتِ الْأُولَى، (لَزِمَهُ)، لِإِعَادَةِ الْفِعْلِ، كَفَّارَةٌ (أُخْرَى) لِلْمَرَّاتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ عَيْنِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ الْأُولَى، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَقَ، ثُمَّ حَنِثَ وَكَفَّرَ، ثُمَّ حَلَفَ وَحَنِثَ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا لَوْ قَلَّمَ ظُفْرًا) وَاحِدًا مِنْ أَظْفَارِهِ (مَرَّاتٍ) مُتَعَدِّدَةً؛ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، لِمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ يُعَارَضُ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَطَعَ بَعْضَ شَعْرِهِ، ثُمَّ قَطَعَهَا ثَانِيًا، ثُمَّ ثَالِثًا؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِابْتِنَاءِ الْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ فِي تَكْمِيلِ الدَّمِ، وَهُوَ بِتَمَامِ الْفِعْلَةِ الْوَاحِدَةِ؛ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا فِيهَا، وَالْبَاقِي حُرْمَتُهُ بَاقِيَةٌ، فَإِذَا أَعَادَهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ ثَانِيًا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الثَّالِثَةَ، فَيَسْتَقِرَّ الْجَزَاءُ (وَ) إنْ فَعَلَ مَحْظُورًا (مِنْ أَجْنَاسٍ؛ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ جِنْسٍ فِدَاءٌ)، سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، اتَّحَدَتْ فِدْيَتُهَا أَوْ اخْتَلَفَتْ، لِأَنَّهَا مَحْظُورَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ، فَلَمْ يَتَدَاخَلْ مُوجِبُهَا، كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ.
(وَ) تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَاتُ (فِي الصُّيُودِ، وَلَوْ قُتِلَتْ مَعًا)، فَيَجِبُ كَفَّارَاتٌ (بِعَدَدِهَا)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ}، (وَيُكَفِّرُ مَنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ وَطِئَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا نَاسِيًا)، أَوْ مُخْطِئًا، (أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ نَائِمًا، كَأَنْ عَبِثَ بِشَعْرِهِ فَقَطَعَهُ) أَوْ صَوَّبَ رَأْسَهُ إلَى تَنُّورٍ فَأَحْرَقَ اللَّهَبُ شَعْرَهُ، إذْ هَذِهِ إتْلَافَاتٌ يَسْتَوِي عَمْدُهَا، أَوْ سَهْوُهَا، وَجَهْلُهَا، كَإِتْلَافِ مَالٍ لِآدَمِيٍّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِأَذًى فِيهِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ، فَكَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَدَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ بِنَوْعٍ آخَرَ، كَالْمُحْتَجِمِ يَحْلِقُ مَوْضِعَ مَحَاجِمِهِ.
وَ(لَا) يُكَفِّرُ (مَنْ لَبِسَ) مَخِيطًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، (أَوْ تَطَيَّبَ) نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، (أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ فِي حَالِ مِنْ ذَلِكَ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَلَا) كَفَّارَةَ (عَلَى مُكْرَهَةٍ) عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَمَتَى زَالَ عُذْرُهُ) مِنْ جَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إكْرَاهٍ (أَزَالَهُ)، أَيْ: اللُّبْسَ أَوْ الطِّيبَ وَنَحْوَهُ (فِي الْحَالِ)، لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ، أَوْ قَالَ: أَثَرُ مَغْرَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: اخْلَعْ عَنْك هَذِهِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ، أَوْ قَالَ: الصُّفْرَةِ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِك كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ مَعَ سُؤَالِ عَمَّا يَصْنَعُ. وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ، وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهُ فِي مَعْنَاهُ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً لِغَسْلِ طِيبٍ مَسَحَهُ) بِنَحْوِ خِرْقَةٍ، (أَوْ حَكَّهُ بِنَحْوِ تُرَابٍ)، كَنُخَالَةٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَتُهُ (حَسَبَ الْإِمْكَانِ). وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي إزَالَتِهِ بِحَلَالٍ لِئَلَّا يُبَاشِرَهُ الْمُحْرِمُ، (وَلَهُ غَسْلُهُ بِيَدِهِ بِلَا حَائِلٍ)، لِعُمُومِ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِغَسْلِهِ، وَلِأَنَّهُ تَارِكٌ لَهُ، (وَ) لَهُ غَسْلُهُ (بِمَائِعٍ) لِمَا مَرَّ، (فَإِنْ أَخَّرَهُ)، أَيْ: غَسْلَ الطِّيبِ عَنْهُ (بِلَا عُذْرٍ؛ حَرُمَ) عَلَيْهِ، (وَفَدَى) لِلِاسْتِدَامَةِ، أَشْبَهَ الِابْتِدَاءَ، وَإِنْ وَجَدَ مَا لَا يَكْفِي لِوُضُوئِهِ وَغَسْلِ الطِّيبِ؛ غَسَلَهُ بِهِ، وَتَيَمَّمَ، إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِ رَائِحَتِهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إزَالَةِ الطِّيبِ قَطْعُ الرَّائِحَةِ. (وَيَفْدِي مَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ، ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا) لِلْمَحْظُورِ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ إمَّا بِكَمَالِ النُّسُكِ أَوْ عِنْدَ الْحَصْرِ أَوْ بِالْعُذْرِ إذَا شُرِطَ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِهِ، وَلَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِرَفْضِهِ، كَمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِفَسَادِهِ، فَإِحْرَامُهُ بَاقٍ، وَتَلْزَمُهُ أَحْكَامُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، لَمْ تُؤَثِّرْ شَيْئًا. (وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ؛ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ فِيهِ)، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي دَاوُد عَنْهَا «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا؛ سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَانَا».
وَ(لَا) يَجُوزُ لِمُحْرِمٍ (لُبْسُ مُطَيَّبٍ بَعْدَهُ)، أَيْ: الْإِحْرَامِ، لِحَدِيثِ: «لَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ فَعَلَ)، أَيْ: لَبِسَ مُطَيَّبًا بَعْدَ إحْرَامٍ؛ فَدَى، (أَوْ اسْتَدَامَ لُبْسَ مَخِيطٍ أَحْرَمَ فِيهِ، وَلَوْ لَحْظَةً فَوْقَ) الْوَقْتِ (الْمُعْتَادِ مِنْ خَلْعِهِ؛ فَدَى) لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ كَابْتِدَائِهِ، (وَلَا يَشُقُّهُ)، لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَلَوْ وَجَبَ الشَّقُّ أَوْ الْفِدْيَةُ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ؛ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ: وَ) إنْ احْتَاجَ مُحْرِمٌ اسْتِدَامَةَ لُبْسِ مَخِيطٍ لِلسُّتْرَةِ (مَعَ عَدَمِ إزَارٍ إذَنْ)، أَيْ: وَقْتَ إحْرَامِهِ؛ فَلَهُ أَنْ (يُرْخِيَ قَمِيصًا)، بِأَنْ يُخْرِجَ يَدَيْهِ مِنْهُ تَغْيِيرًا لِهَيْئَةِ لُبْسِهِ، وَيُدْخِلَ بَعْضَ أَطْرَافِهِ فِي بَعْضٍ لِيَصِيرَ سَاتِرًا (لِوَسَطِهِ) وَعَوْرَتِهِ، (كَسَرَاوِيلَ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَبِسَ) مُحْرِمٌ، (أَوْ افْتَرَشَ مَا كَانَ مُطَيَّبًا وَانْقَطَعَ رِيحُهُ)، أَيْ: الطِّيبِ مِنْهُ، (وَيَفُوحُ) رِيحُهُ (بِرَشِّ مَاءٍ) عَلَى مَا كَانَ مُطَيَّبًا، وَانْقَطَعَ رِيحُهُ، (وَلَوْ) افْتَرَشَهُ (تَحْتَ حَائِلٍ غَيْرِ ثِيَابِهِ، لَا يَمْنَعُ) الْحَائِلُ (رِيحَهُ، وَ) لَا (مُبَاشَرَتَهُ؛ فَدَى)، لِأَنَّهُ مُطَيَّبٌ، اسْتَعْمَلَهُ لِظُهُورِ رِيحِهِ عِنْدَ رَشِّ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ لَا رِيحَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الطِّيبِ فِيهِ. (وَلَوْ مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا، فَبَانَ رَطْبًا، لَا فِدْيَةَ) عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ.

.(فَصْلٌ): [مَحِلُّ الْهَدْيِ]:

(وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ كَجَزَاءِ صَيْدِ) حَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ، (وَمَا وَجَبَ) مِنْ فِدْيَةٍ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فَوَاتِ حَجٍّ، أَوْ) وَجَبَ (بِفِعْلِ مَحْظُورٍ بِحَرَمٍ)، كَلُبْسٍ وَوَطْءٍ فِيهِ؛ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ.
(وَ) كَذَا (هَدْيُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ مَنْذُورٌ) وَنَحْوُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَقَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي. (يَلْزَمُ ذَبْحُهُ)، أَيْ: الْهَدْيِ، (بِالْحَرَمِ وَجَوَانِبِهِ)، أَيْ: الْحَرَمِ، (كَهُوَ) قَالَ أَحْمَدُ: مَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ». وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَرَمَ، لِأَنَّهُ كُلُّهُ طَرِيقٌ إلَيْهَا، وَالْفَجُّ: الطَّرِيقُ.
(وَ) يَلْزَمُ (تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ)، أَيْ: الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ لِمَسَاكِينِهِ، (أَوْ إطْلَاقُهُ لِمَسَاكِينِهِ) أَيْ: الْحَرَمِ، (مَيِّتًا)، أَيْ: مَذْبُوحًا، أَوْ مَنْحُورًا، (أَوْ) دَفْعُهُ إلَيْهِمْ (حَيًّا لِيَنْحَرُوهُ) بِالْحَرَمِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ التَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحْصُلُ بِإِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا الْإِطْعَامُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ. وَلِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمْ كَالْهَدْيِ، قَالَ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ حَيًّا، فَنَحَرُوهُ فِي الْحَرَمِ؛ أَجْزَأَ، (وَإِلَّا) يَنْحَرُوهُ، أَوْ أَرَادُوا نَحْرَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ (اسْتَرَدَّهُ) مِنْهُمْ وُجُوبًا (وَنَحَرَهُ) وَفَرَّقَ لَحْمَهُ أَوْ أَطْلَقَهُ لَهُمْ (فَإِنْ أَبَى) اسْتِرْدَادُهُ (أَوْ عَجَزَ) عَنْهُ (ضَمِنَهُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، لِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ عُهْدَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: فَلَا يُجْزِئُ اقْتِصَارُهُ عَلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ، بَلْ) لَا بُدَّ مِنْ (ثَلَاثَةِ) مَسَاكِينَ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، كَذَا قَالَ (وَاحْتَمَلَ: أَوْ اثْنَيْنِ)، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي قَوْلٍ. (وَقِيَاسُ الْفِطْرَةِ: يُجْزِئُ اقْتِصَارُهُ عَلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ)، وَهُوَ قِيَاسٌ جَيِّدٌ، إذْ كُلٌّ مِنْ الْهَدْيِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ تُجْزِئُ لِوَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ؛ فَلَفْظُ أَلْ فِي الْمَسَاكِينِ: لِلْجِنْسِ، كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَعُدُولُ الْأَصْحَابِ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدٍ. (وَمَسَاكِينُ الْحَرَمِ هُمْ: الْمُقِيمُ بِهِ، وَالْمُجْتَازُ بِهِ مِنْ حَاجٍّ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ) وَلَوْ تَبَيَّنَ غِنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَكَزَكَاةٍ (وَيُجْزِئُ) هَدْيٌ أَوْ إطْعَامٌ (لَوْ ظَنَّهُ فَقِيرًا، فَبَانَ غَنِيًّا) كَالزَّكَاةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُجْزِئُ (إنْ) دَفَعَهُ مَذْبُوحًا لِمَنْ (ظَنَّهُ نَحْوَ مُسْلِمٍ)، كَمُبْتَدِعٍ غَيْرِ دَاعِيَةٍ، (فَبَانَ) مَدْفُوعًا لَهُ (عَكْسُهُ)، بِأَنْ كَانَ كَافِرًا، أَوْ مُبْتَدِعًا دَاعِيَةً، وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا؛ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا يُفَرِّقُهُ، أَوْ يُطْلِقُهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَالْأَفْضَلُ نَحْرُ مَا وَجَبَ بِحَجٍّ بِمِنًى، وَ) نَحْرُ (مَا وَجَبَ بِعُمْرَةٍ بِالْمَرْوَةِ)، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ. (وَالْعَاجِزُ عَنْ إيصَالِهِ)، أَيْ: مَا وَجَبَ ذَبَحَهُ بِالْحَرَمِ، (لِلْحَرَمِ حَتَّى بِوَكِيلِهِ، يَنْحَرُهُ حَيْثُ قَدَرَ، وَيُفَرِّقُهُ بِمَنْحَرِهِ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} (وَتُجْزِئُ فِدْيَةُ أَذًى، وَ) فِدْيَةُ (لُبْسٍ، وَ) فِدْيَةُ (طِيبٍ وَتَغْطِيَةِ رَأْسٍ، وَمُوجِبِ شَاةٍ بِنَحْوِ مُبَاشَرَةٍ) دُونَ فَرْجٍ (بِلَا إنْزَالٍ وَمَا وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ غَيْرِ) جَزَاءِ (صَيْدٍ)؛ فِعْلُهُ (خَارِجَ؛ الْحَرَمِ، وَلَوْ) فَعَلَهُ (بِلَا عُذْرٍ)؛ فَلَهُ تَفْرِقَتُهَا (حَيْثُ وَجَبَ السَّبَبُ)، لِأَنَّهُ، «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِالْفِدْيَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَ«اشْتَكَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَأْسَهُ، فَحَلَقَهُ عَلِيٌّ، وَنَحَرَ عَنْهُ جَزُورًا بِالسُّقْيَا» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا (وَ) لَهُ تَفْرِقَتُهَا (بِالْحَرَمِ أَيْضًا) كَسَائِرِ الْهَدَايَا. (وَيَدْخُلُ وَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَذَى وَالْمَلْبَسِ، وَالطِّيبِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، (مِنْ حِينِ فَعَلَهُ)، أَيْ: الْمَحْظُورَ. (وَلَهُ) الذَّبْحُ (قَبْلَهُ، بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ الْمُبِيحِ) لِفِعْلِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِعْلُهُ لِعُذْرٍ، (كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَ) وَقْتِ (جَزَاءِ صَيْدٍ بَعْدَ جَرْحِهِ)، وَلَا يَضُرُّ تَلَفُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ جَزَائِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْحَلْقُ فِدْيَتَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، (وَ) وَقْتَ فِدْيَةِ (وَاجِبٍ، لِتَرْكِ وَاجِبٍ، عِنْدَ تَرْكِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْوَاجِبِ. (وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (دَمِ إحْصَارٍ حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ نَصًّا، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ هَدْيَهُ فِي مَوْضِعِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حِلِّهِ، فَكَانَ مَوْضِعَ نَحْرِهِ كَالْحَرَمِ (وَ) يُجْزِئُ (صَوْمٌ وَحَلْقٌ بِكُلِّ مَكَانٍ)، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْحَرَمِ، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. (وَالدَّمُ الْمُطْلَقُ كَأُضْحِيَّةٍ)، فَيُجْزِئُ فِيهِ مَا يُجْزِئُ فِيهَا- فَإِنْ قَيَّدَ بِنَحْوِ بَدَنَةٍ، تَقَيَّدَ- (جَذَعُ ضَأْنٍ) لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، (أَوْ ثَنِيُّ مَعْزٍ) لَهُ سَنَةٌ، (أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ، أَوْ) سُبْعُ (بَقَرَةٍ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُتَمَتِّعِ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ. وَقَوْلُهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، وَفَسَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِذَبْحِ شَاةٍ، وَمَا سِوَى هَذَيْنِ مَقِيسٌ عَلَيْهِمَا. (فَإِنْ ذَبَحَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ مُطْلَقٌ (إحْدَاهُمَا)، أَيْ: بَدَنَةً، أَوْ بَقَرَةً، فَهُوَ (أَفْضَلُ) مِمَّا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهَا أَوْفَرُ لَحْمًا، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (وَتَجِبُ كُلُّهَا)، لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْأَعْلَى لِأَدَاءِ فَرْضِهِ، فَكَانَ كُلُّهُ وَاجِبًا، كَمَا لَوْ اخْتَارَ الْأَعْلَى مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ. (وَيَتَّجِهُ): مَحَلُّ وُجُوبِهَا كُلِّهَا: (إنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِلْكَهُ)، أَمَّا إنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَهَا، وَذَبَحَهَا بِنِيَّةِ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَمْلُوكِ لَهُ، فَلَا وَجْهَ لِوُجُوبِهَا كُلِّهَا عَلَيْهِ، إذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَتُجْزِئُ عَنْ بَدَنَةٍ وَجَبَتْ وَلَوْ فِي) جَزَاءِ (صَيْدٍ وَنَذْرٍ) مُطْلَقٍ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ (بَقَرَةٌ)، لِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَالْبَقَرَةُ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ؟» رَوَاه مُسْلِمٌ. (كَعَكْسِهِ)، أَيْ: كَمَا تُجْزِئُ بَدَنَةٌ عَنْ بَقَرَةٍ وَجَبَتْ وَلَوْ فِي صَيْدٍ، (وَ) يُجْزِئُ (عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ، وَلَوْ لَمْ تَتَعَذَّرْ) الشِّيَاهُ، (بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ.

.(بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى طَرِيقِ التَّفْصِيلِ):

جَزَاؤُهُ: (مَا يُسْتَحَقُّ بَدَلَهُ)، أَيْ: الصَّيْدِ (مِنْ مِثْلِهِ، وَمُقَارِبِهِ، وَشِبْهِهِ)، لَعَلَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِلْمُرَادِ مِنْ الْمِثْلِ، دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إرَادَةِ الْمُمَاثَلَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَهِيَ: اتِّحَادُ الِاثْنَيْنِ فِي النَّوْعِ. (وَيَجْتَمِعُ) عَلَى مُتْلِفِ صَيْدٍ (ضَمَانُ) قِيمَته لِمَالِكِهِ (وَجَزَاؤُهُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (فِي) صَيْدِ (مَمْلُوكٍ)، لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ، فَجَازَ التَّقْوِيمُ وَالتَّكْفِيرُ فِي ضَمَانِهِ، كَالْعَبْدِ إذَا قُتِلَ. (وَهُوَ) أَيْ: الصَّيْدُ (ضَرْبَانِ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مَا)، أَيْ: ضَرْبٌ (لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ) خِلْقَةً لَا قِيمَةً (فَيَجِبُ فِيهِ) ذَلِكَ (الْمِثْلُ) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} (وَهُوَ) أَيْ: الصَّيْدُ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ، (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا قَضَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ)، أَيْ: وَلَوْ بَعْضُهُمْ، (فَيُتَّبَعُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَلِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَأَعْرَفُ بِمَوَاقِعِ الْخِطَابِ، فَكَانَ حُكْمُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، كَالْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ. (فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ) حَكَمَ بِهِ: عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْبَعِيرَ فِي خَلْقِهِ، فَكَانَ مِثْلًا لَهَا، (وَفِي حِمَارِ وَحْشٍ) بَقَرَةٌ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، (وَ) فِي (بَقَرَةٍ)، أَيْ: الْوَحْشِ، بَقَرَةٌ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، (وَ) فِي (أُيَّلٍ) بِوَزْنِ: قُنَّبٍ وَحَلَبٍ وَسَيِّدٍ، وَهُوَ: ذَكَرُ الْأَوْعَالِ- بَقَرَةٌ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، (وَ) فِي (تيشل)- بِوَزْنِ: جَعْفَرٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَعْلُ الْمُسِنُّ- بَقَرَةٌ، (وَ) فِي (وَعَل)- بِفَتْحِ الْوَاوِ مَعَ الْعَيْنِ، وَكَسْرِهَا، وَسُكُونِهَا: تَيْسُ الْجَبَلِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الصِّحَاحِ هُوَ: الْأَرْوَى، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: الْأَرْوَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، جَمْعُ: أُرْوِيَّةٍ بِضَمِّهَا، وَكَسْرِ الْوَاوِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ: هِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوُعُولِ- (بَقَرَةٌ)، يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ: فِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ. (وَفِي ضَبُعٍ كَبْشٌ)، لِقَوْلِ جَابِرٍ: «سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ، وَفِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَقَضَى بِهِ عُمَرُ وابْنُ عَبَّاسٍ. (وَفِي غَزَالٍ شَاةٌ)، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا «فِي الظَّبْيِ شَاةٌ»، (وَفِي وَبْرٍ): بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَالْأُنْثَى: وَبْرَةٌ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ كَحْلَاءُ دُونَ السِّنَّوْرِ، لَا ذَنَبَ لَهَا، (وَ) فِي (ضَبٍّ جَدْيٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَأَرْبَدُ، وَالْوَبْرُ مَقِيسٌ عَلَى الضَّبِّ، وَالْجَدْيُ مِنْ أَوْلَادِ (الْمَعْزِ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَفِي يَرْبُوعٍ جَفَرَةٌ، لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ)، قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ (وَفِي أَرْنَبٍ عَنَاقٌ)، أَيْ: (أُنْثَى) مِنْ (مَعْزٍ أَصْغَرَ مِنْ الْجَفَرَةِ) يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ، (وَفِي) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ (حَمَامٍ- وَهُوَ: كُلُّ مَا عَبَّ الْمَاءَ) أَيْ: وَضَعَ مِنْقَارَهُ فِيهِ، وَكَرَعَ كَمَا تَكْرَعُ الشَّاةُ، وَلَا يَأْخُذُ قَطْرَةً، كَالدَّجَاجِ وَالْعَصَافِيرِ، (وَهَدَرَ)، أَيْ: صَوَّتَ- (شَاةٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُهُ، وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ حَمَامُ الْإِحْرَامِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَضَى بِهِ فِي حَمَامِ الْإِحْرَامِ، (فَدَخَلَ فِيهِ نَحْوُ فَوَاخِتَ، وَقَطَا، وَقَمَرِيٌّ، وَرَاشِينُ)، وَدُبْسِيٌّ، بِضَمِّ الدَّالِ: طَائِرٌ لَوْنُهُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ يُقَرْقِرُ، وَالْأُنْثَى دِبْسِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ السِّفَانِينُ، جَمْعُ: سِفَنَّةٍ، بِكَسْرِ السِّينِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: طَائِرٌ بِمِصْرَ، لَا يَقَعُ عَلَى شَجَرَةٍ إلَّا أَكَلَ جَمِيعَ وَرَقِهَا. لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهَا حَمَامًا، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مُطَوَّقٌ حَمَامٌ، فَدَخَلَ فِيهِ الْحَجَلُ، لِأَنَّهُ مُطَوَّقٌ. (الثَّانِي: مَا لَمْ تَقْضِ فِيهِ) الصَّحَابَةُ، وَلَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ، (فَيُرْجَعُ فِيهِ لِقَوْلِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، (خَبِيرَيْنِ)، لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمِثْلِ إلَّا بِهِمَا، فَيَعْتَبِرَانِ الشَّبَهَ خِلْقَةً لَا قِيمَةً، كَفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَقِيهًا، لِظَاهِرِ الْآيَةِ، (وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقَاتِلِ أَحَدَهُمَا)، أَيْ الْعَدْلَيْنِ، (أَوْ هُمَا)، فَيَحْكُمَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْمِثْلِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْجَرَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَادَهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَمَرَ أَيْضًا، أَرْبَدَ بِذَلِكَ، حِينَ وَطِئَ الضَّبَّ، فَحَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ بِجَدْيٍ، فَأَقَرَّهُ، وَكَتَقْوِيمِهِ عَرْضَ التِّجَارَةِ لِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ، وَحَمَلَهُ (ابْنُ عَقِيلٍ) عَلَى مَا إذَا قَتَلَهُ (خَطَأً، أَوْ) قَتَلَهُ (لِحَاجَةِ) أَكْلِهِ، لِأَنَّهُ قَتْلٌ مُبَاحٌ يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ، (أَوْ) قَتَلَهُ (جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ)، لِعَدَمِ فِسْقِهِ، قَالَ (الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ)، أَيْ: الْأَصْحَابِ، (لِأَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ يُنَافِي الْعَدَالَةَ) إنْ لَمْ يَتُبْ، وَهُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ. (وَيَتَّجِهُ: عَدَمُ) اعْتِبَارِ (هَذَا)، أَيْ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، (وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْعَدَالَةِ حَالَ الْحُكْمِ)، لَا حَالَ الْقَتْلِ، إذْ لَا رَيْبَ فِي الْفِسْقِ حِينَئِذٍ، (فَلَوْ تَابَا)، أَيْ: الْحَاكِمَانِ، بَعْدَ أَنْ قَتَلَا صَيْدًا، عَامِدَيْنِ، عَالِمَيْنِ تَحْرِيمَ قَتْلِهِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: تَابَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ (قُبِلَ) حُكْمُهُمَا بِهِ، (كَالشَّهَادَةِ) إذَا تَحَمَّلَهَا وَهُوَ فَاسِقٌ، ثُمَّ تَابَ وَأَدَّاهَا؛ فَلَا رَيْبَ فِي قَبُولِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُضْمَنُ صَغِيرٌ) بِمِثْلِهِ، (وَكَبِيرٌ) بِمِثْلِهِ، (وَصَحِيحٌ) بِمِثْلِهِ، (وَمَعِيبٌ) بِمِثْلِهِ، (وَمَاخِضٌ، وَهِيَ: الْحَامِلُ) مِنْ صَيْدٍ (بِمِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ}. وَمِثْلُ الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَمِثْلُ الْمَعِيبِ مَعِيبٌ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْيَدِ، وَالْجِنَايَةِ، يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالصِّغَرِ وَالْعَيْبِ وَغَيْرِهِمَا، كَالْبَهِيمَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ}؛ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى إيجَابِ مَا لَا يَصِحُّ هَدْيًا كَالْجَفَرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ، وَإِنْ فَدَى الصَّغِيرَ وَالْمَعِيبَ مَا لَا يَصِحُّ هَدْيًا كَالْجَفَرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ، وَإِنْ فَدَى الصَّغِيرَ وَالْمَعِيبَ بِكَبِيرٍ صَحِيحٍ فَاضِلٍ.
(وَ) يَجُوزُ فِدَاءُ (ذَكَرٍ بِأُنْثَى)، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ فِدَائِهِ بِذَكَرٍ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ، لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ، (وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ)، أَيْ: فِدَاءُ أُنْثَى بِذَكَرٍ، لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ، (وَيَجُوزُ فِدَاءُ) صَيْدٍ (أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ) يُمْنَى أَوْ يُسْرَى، (وَ) فِدَاءُ صَيْدٍ (أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ) يُمْنَى أَوْ يُسْرَى بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، (أَعْوَرَ) عَنْ الْأَعْوَرِ مِنْ أُخْرَى، كَفِدَاءِ أَعْوَرَ يُمْنَى بِأَعْوَرَ يَسَارٍ وَعَكْسُهُ، (وَ) أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِمِثْلِهِ (أَعْرَجَ مِنْ) قَائِمَةٍ (أُخْرَى)، كَأَعْرَجِ يُمْنَى بِأَعْرَجِ يَسَارٍ، وَعَكْسُهُ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يَسِيرٌ، وَنَوْعُ الْعَيْبِ وَاحِدٌ.
وَ(لَا) يَجُوزُ فِدَاءُ (أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَنَحْوِهِ)، لِاخْتِلَافِ نَوْعِ الْعَيْبِ وَمَحَلِّهِ.
ب- (الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا مِثْلَ لَهُ) مِنْ النَّعَمِ، (وَهُوَ: بَاقِي الطَّيْرِ، وَ) يَجِبُ (فِيهِ قِيمَةُ مَكَانِهِ)، أَيْ: مَكَانِ التَّلَفِ، (وَلَوْ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ، كَإِوَزٍّ، وَحُبَارَى، وَحَجَلٍ وَكُرْكِيٍّ، وَكَبِيرِ طَيْرِ مَاءٍ)، لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَرَكْنَاهُ فِي الْحَمَامِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ.